مفهوم نظام المحليات فى مصر وفلسفة آليات عمله أحمد راغب – محام
تشتهر الدولة المصرية بأنها دولة شديدة المركزية رغم ذلك فأن تاريخ التنظيم المصري للمحليات فى العصر الحديث يرجع لأوائل القرن الماضي وتحديداً عام 1913 بإنشاء مجالس المديريات حيث قسمت البلاد إلى ستة عشر مديرية ، ويمكن أجمالاً تصنيف مراحل نظام المحليات فى مصر إلى خمسه حقب تاريخية الأولى مرحلة العهد الملكي والثانية المحليات فى العهد الناصري والثالثة المحليات فى عهد أنور السادات والرابعة فى عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك". وأخيراً وضع المحليات بعد ثورة 25 يناير 2011 والدستور الحالي، فأنه بعد الإطاحة بالرئيس الأسبق "حسني مبارك من الحكم" تم تعطيل العمل بالدستور وحل مجلس الشعب، وأصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً يلزم المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومجلس الوزراء بحل المجالس الشعبية المحلية القائمة على مستوى الجمهورية فى كافة وحدات الإدارة المحلية، وذلك بموجب عدة دعاوى منها الدعوى رقم 22575 ورقم 30195 لسنة 65 قضائية والصادر فيهم حكماً بتاريخ 28/6/2011. وفى سبتمبر 2011 أصدر رئيس المجلس الأعلى للقوات الملسحة الأسبق " المشير حسين طنطاوي" مرسوم بقانون رقم 116 لسنة 2011 بحل جميع المجالس الشعبية المحلية، وتضمن القرار تشكيل مجالس شعبية محلية مؤقتة ، على أن تتولي هذه المجالس الشعبية جميع اختصاصات المجالس الشعبية المحلية فى دائرة المحافظة بالنسبة للمسائل الضرورية والعاجلة، ونصت المادة الرابعة من المرسوم بقانون على أن تستمر هذه المجالس المؤقتة لمدة سنة أو انتخاب مجالس شعبية محلية جديدة أيهما أقرب. استمرت مصر منذ هذا التاريخ بلا مجالس شعبية محلية منتخبة ويتم التجديد وتشكيل مجالس معينة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات، وبإقرار دستور 2012 والمعدل فى يناير 2014 طرأت تغييرات على نظام المحليات فى مصر قد تمثل نقله نوعية – على مستوى النصوص – وذلك من خلال النص صراحة ولأول مرة على دعم الدولة لنظام اللامركزية ، وكذلك على نصوص مفصلة لاختصاصات وصلاحيات وموازنات مستقلة المجالس المحلية بشقيها التنفيذية والشعبية، وهو ما حافظت عليه لجنة الخمسين وأضافت عليه نصوصاُ تتعلق بالنظام الانتخابي وتمييز إيجابي (كوتة) لبعض الفئات مثل المرأة والشباب والعمال والفلاحين والمسيحيين وذوي الإعاقة لا يمكن بسهولة التفرقة –بالنظر للواقع المعاش– بين هذه الحقب التاريخية فى مجملها، حيث حافظت الدولة المصرية على قدرتها فى التحكم بشكل مركزى فى حياة المواطنين المصريين بموجب تلك التشريعات، فلم يتغير دور المجالس المحلية فى مجملها عن سكرتير ومندوب قليل الكفاءة للسلطة التنفيذية. موضوعات مثل الصحة العامة أو التخطيط العمراني للمدن والشوارع أو المواصلات وغيرها من الموضوعات لصيقة الصله بالحياة اليومية للمواطن المصري لم تستطيع تلك المجالس المحلية القيام بدورها تجاهها. كما حافظت الدولة على وجود رجالها المخلصين فى تلك المجالس والوحدات حيث حل أعضاء الحزب الوطني الديمقراطي فى عهد الرئيس الأسبق "مبارك" محل أعضاء الاتحاد القومي الاشتراكي فى عهد الرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر" والذين حلوا بدورهم محل طبقة ملاك الأطيان فى العهد الملكي. هؤلاء الرجال وهذه الفلسفة كان لهم الأثر البالغ فى غياب الوعي لدى المواطنين بأهمية أو دور – أحيانا وجود – هذه المجالس المحلية، بل أنسحب هذا التجاهل للمتخصصين والمهتمين بالمجال العام فى مصر فأقتصر اشتباك هؤلاء مع نظام المحليات – بوصفه بما هو عليه – باعتباره نظام فاسد وغير كفء دون فهم لفلسفة هذا النظام وكيفية عمله وما هو تأثيره على حياه المواطنين، ومن ثم ما هو التصور لبناء نظام للإدارة المحلية يستحقه المصريين والمصريات. ومن زاوية أخري فقد مثلت تلك المجالس المحلية فى بعض الأوقات عبء على الدولة المصرية للدرجة التى جعلت زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية فى عهد الرئيس الأسبق "مبارك"يطلق عبارته الشهيرة بأن " الفساد فى المحليات وصل للركب" وللمفارقة فأن ذات الشخص بعد ثورة 25 يناير 2011 يحاكم بتهم تتعلق بالفساد المالي. وستتناول تلك الورقة جزءاً مفاهيمي حول مفهوم الإدارة المحلية وما يرتبط بذلك من مصطلحات تتعلق بمبدأ اللامركزية والعلاقات المتشابكة بين السلطة المركزية وبين أجهزة المحليات ثم فى الجزء الثاني من الورقة سنحاول التعرف على العلاقة المتشابكة بين أجهزة المحليات وبعضها البعض مع التركيز على العلاقة بين المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، وذلك على النحو التالي: أولاً:حول مفهوم نظام الإدارة المحلية من المستحسن وقبل الدلوف لأقسام هذه الورقة أن نشتبك –باختصار –مع مفهوم نظام الإدارة المحلية وما يتصل به من مصطلحات أو مفاهيم أخري، وهو الأمر الذى قد يساعدنا على فهم أعمق لنظام الإدارة المحلية فى مصر وتطوره. أول ما يتعلق بمفهوم نظام الإدارة المحلية ويرتبط به هو مصطلح أو مبدأ "اللامركزية" وهو يقصد به عادة الأسلوب الذى يشير إلى توزيع السلطة بين سلطات الدولة المركزية وشخصيات اعتبارية أخري ، وعملية التوزيع وفقا لمفهوم "اللامركزية" سالف الآشارة قد تشمل وظائف الدولة الرئيسية تشريعية وقضائية وتنفيذية أو قد تقتصر على الوظيفتين التشريعية والقضائية وقد تنحصر فقط عملية توزيع السلطة فى الوظيفية التنفيذية حصراً دون غيرها من وظائف الدولة. وإذا كان هناك توزيع لجميع سلطات الدولة ( التشريعية والقضائية والتنفيذية) بين السلطة المركزية وهيئات محلية أو إقليمية فأننا نكون أمام دولة مركبة لديها تعدد فى مراكز السلطة وعادة ما يطلق على ذلك النظام الفيدرالى، أما إذا اقتصر أسلوب اللامركزية على الوظيفة التنفيذية فقط لسلطات الدولة فيطلق عليها اللامركزية الإدارية ، وإذا طبقت اللامركزية الإدارية على أساس إقليمي/ مناطقي وصف هذا الإسلوب بأنه نظام "إدارة محلية" وبذلك فأن مفهوم نظام الإدارة المحلية يدور حول أنه أحد أشكال أسلوب اللامركزية الإدارية والتى يتم فيه توزيع السلطة التنفيذية على شخصيات اعتبارية محلية. وعادة ما ينحصر شكل توزيع السلطة التنفيذية فى الإدارة المحلية ما بين أحد شكلين الأول هو أسلوب التفويض وفيه تقوم السلطة التنفيذية بتوزيع اختصاصها عن طريق تفويض الهيئات المحلية، أما الأسلوب الثاني فهو أسلوب نقل الاختصاصات وفيه تتمتع الهيئات المحلية باختصاصاتها بشكل أصيل وعادة ما تكون عملية نقل الاختصاصات مستندة للدستور والقانون. وبطبيعة الحال فأن هناك فارق بين التقسيم الإداري للدول وبين أنظمة الإدارة المحلية فلا يعني وجود تقسيم إداري للدولة بأن هناك نظام مستقل وفعال للإدارة المحلية فالدول المركزية التى لا تعتمد نظام للإدارة المحلية لديها تقسيم إداري يقسم تلك البلاد لمحافظات أو ولايات أو غير ذلك من تقسيمات. • إدارة محلية أم حكم محلي تثار – دائما –بمناسبة الحديث عننظام المحليات هل هي إدارة محلية أم حكم محلي؟ ، يفضل كثيراً من أنصار توسيع اختصاصات المحليات لإستخدام مصطلح " الحكم المحلي" بدلاً من الإدارة المحلية، وقد اعتمد المشرع المصري ( سواء الدستوري أو العادى) استخدام مصطلح "الإدارة المحلية" إلا فى حالات قليلة عندما صدر القانون رقم 52 لسنة 1975 والذى سمي بقانون "نظام الحكم المحلي" وهو ما تراجع عنه المشرع المصري سريعاً بإصداره تعديلاً للقانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 وذلك فى عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك" وقد بررت المذكرة الإيضاحية للقانون هذا التغيير بأنه تماشياً مع ما ورد فى الدستور . المعيار الذى يتحدد على أساسه الحكم المحلي أم الإدارة المحلية هو طبيعة السلطات التى تنتقل للوحدات المحلية ومجالساها ففي حال كان الانتقال للسلطات كامل أو للسلطتين التنفيذية والتشريعية فأنه يمكن المجادلة حول التسمية أما إذا كانت عملية نقل السلطات تقتصر فقط على السلطة التنفيذية فأن المصطلح الواقعي هو " الإدارة المحلية". إلا أننا لا يجب أن نغفل أن نظام المحليات فى مصر ينقسم لفرعين رئسيين مكملين لبعضهما البعض أولهما هو الوحدات الإدارية ومجالسها التنفيذية وتختص بمهمة إدارة وإنشاء المرافق المحلية وهي بذلك تقوم بدور السلطة التنفيذية وينطبق عليها المعيار سالف الذكر حيث أنها بموجب القانون والدستور تقوم بوظيفة الدولة التنفيذية إقليمياً فى النطاق الجغرافي للوحدة المحلية. الفرع الثاني من نظام المحليات هو المجالس الشعبية المحلية المنتخبة وتختص بمهمة الرقابة والإشراف على المرافق المحلية التى تديرها الوحدات المحلية ومن ثم فهي تقوم بوظيفة السلطة التشريعية دون قيامها بالتشريع والذى يختص به مجلس النواب حصراً، إلا أنها تقوم بوظيفة الرقابة على السلطة التنفيذية – الوحدات المحلية – فى محيطها الجغرافي، الأمر الذى معه نكون أمام نقل وظيفة السلطة التنفيذية كاملة للمحليات ونصف وظيفة السلطة التشريعية وفى رأينا الشخصي أنه ولاعتبارات توحيد المصطلحات فأننا نفضل استخدام مصطلح "الإدارة المحلية " عند الحديث عن نظام المحليات فى مصر لعده أسباب أولها هو ان الدستور الحالي قد استخدم هذا المصطلح ومن ثم فيجب الالتزام به اصطلاحياً ، السبب الثاني أن مصطلح " الحكم المحلي" يثيراً لغطاً حول أن هناك استقلاليه سياسية وما قد يثيره ذلك من التباس بين هذا المصطلح ومصطلح "الحكم الذاتي" والذى له مدلولات سياسية بعيدة عن الحكم المحلي. ما يعزز هذا الرأي هو أن المواد الخاصة بالإدارة المحلية فى الدستور الحالي قد وردت فى الفرع الثالث من الفصل الخاص بالسلطة التنفيذية وذلك بعد الفرع المتعلق برئيس الجمهورية والفرع الثاني المتعلق بالحكومة ، وهو ما يشير إلى أن الدستور قد وزع اختصاصات السلطة التنفيذية بين ثلاث جهات هي رئيس الجمهورية والحكومة والوحدات والمجالس المحلية، ولذلك نحن نفضل أن نستخدم استخدام مصطلح الإدارة المحلية وذلك بغض النظر عن الجدل الأكاديمي حول المصطلحات ، ولا يعني هذا التفضيل عدم اقتناع بأهمية أهمية اللامركزية أو أهمية المشاركة الشعبية فى المحليات وأنما الغرض هو توحيد المصطلحات. الأساس القانوني والحقوقي للإدارة المحلية يستحسن بنا أيضا وقبل الدخول فى أقسام هذه الورقة أن نؤسس بداية للأساس القانون لنظام المحليات وفقا للدستور والقانون، فالإدارة المحلية لا تمثل فقط ضرورة اقتصادية تتعلق بزيادة معدلات التنمية المحلية أو ضرورة إدارية تتعلق بالحكم الرشيد والديمقراطي، وأنما هي أيضا وقبل كل ذلك حق أصيل من حقوق الإنسان، يتعلق ويرتبط بقيم ومبادئ حقوق الإنسان العالمية والمكفولة بموجب الدستور والقانون المصري. فوجود إدارة محلية مستقلة عن الحكومة المركزية هو جزء من مبدأ السيادة الشعبية المكفول بموجب الدستور المصري وهو المبدأ الذى يعني بأن الشعب وحده له السيادة وهو الذى يمارسها ويحميها وهو مصدر السلطات ، كما أن مشاركة المصريين والمصريات فى نظام المحليات هو جزء من مشاركتهم فى الحياة العامة والتى وصفها الدستور بأنها "واجب وطني" ثانياً: اللامركزية ( علاقة الدولة المركزية بالمحليات ) سبق وأن آشرنا فى مقدمة هذه الورقة لمصطلح اللامركزية وعلاقته بمفهوم نظام الإدارة المحلية ، وسنركز فى هذا الجزء من الورقة على تحليل العلاقة ما بين أجهزة الدولة المركزية وأجهزة الإدارة المحلية سواء الوحدات الإدارية أو المجالس الشعبية المنتخبة ذلك لبيان مدى استقلالية هذه الأجهزة وممارستها لصلاحيتها واختصاصاتها. اللامركزية باعتبارها توزيع لوظائف الدولة بين سلطات الدولة المركزية وشخصيات اعتبارية أخري، قد تشمل جميع وظائف الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية، إلا أنها قد تشمل فقط توزيع واحدة من وظائف الدولة فقط وهو ما حدث فى مصر فقد أقتصر مفهوم اللامركزية على توزيع السلطة التنفيذية فقط ما بين السلطة المركزية الممثلة فى رئيس الجمهورية والحكومة وبين وحدات الإدارة المحلية، مع مشاركة بسيطة فى أحد أدوار السلطة التشريعية والمتمثلة فى وظيفة الرقابة. وعلى الرغم من أن الاتجاه العام للسياسة التشريعية المصرية هو الاعتراف باللامركزية وبأهميتها، وذلك من خلال الإقرار بأن دور المجالس المحلية هو إنشاء وإدارة المرافق ذات الطابع المحلي ، إلا أن هذا التسليم بدور الإدارة المحلية لا يعني أن الدولة قد تخلت عن سلطتها المركزية فى نفس الوقت. فالمتتبع للسياسات التشريعية المصرية فيما يخص مبدأ اللامركزية بالإدارة المحلية يجد أن الدولة اتبعت عدة استراتيجيات للحفاظ على سلطتها المركزية فى ظل وجود نظام للإدارة المحلية مؤسس على اللامركزية، وهو الأمر الذى يعكس بشكل واضح الإيمان العميق لدى الدولة بأن نقل السلطات للمحليات واستقلاليتها يشكل خطراً وجودياً على الدولة ولذلك حرصت الدولة – من خلال سياستها التشريعية –على تأكيد سيطرتها ورقابتها وأشرافها الدائم على وحدات ومجالس المحليات الأمر الذى عزز من مفهوم أن تلك الأجهزة المحلية ما هي إلا أجهزة تابعة للدولة تقوم بأدوار محددة تحت رقابة الحكومة وإشرافها الكامل. واستخدمت الدولة عدة وسائل لتحقيق هذه السيطرة والرقابة سنذكر فيما يلي أبرزها: • تعيين رؤساء الوحدات المحلية من قبل السلطة التنفيذية وخضوعهم إدارياً لها حرصت جميع التشريعات المتعلقة بالإدارة المحلية على إرساء حق السلطة التنفيذية فى تعيين رؤساء الوحدات المحلية ، فالمحافظون ونوابهم يصدر بتعينهم قرار من رئيس الجمهورية ، بينما باقي رؤساء الوحدات سواء أكانوا رؤساء المراكز أو المدن أو الأحياء يصدر بتعينهم قرار من رئيس مجلس الوزراء منفرداً أو بالاتفاق مع المحافظين المختصين، بينما يقتصر حق المحافظ على تعين رؤساء القري فقط . ويرتبط تعيين رؤساء الوحدات المحلية على النحو سالف الذكر بتبعية إدارية للسلطة التنفيذية حيث نص القانون فى أكثر من موضع على هذه التبعية الإدارية فالمحافظون يكونوا مسئولين أمام رئيس مجلس الوزراء وهم ملتزمون بأن يقدموا تقارير دورية للوزير المختص بالإدارة المحلية . ومن ثم فأنه رغم الصلاحيات للمحافظين إلا أن تمسك الدولة وحرصها على حق السلطة التنفيذية فى تعيين رؤساء الوحدات المحلية الإدارية وما يترتب على ذلك من تبعية إدارية واضحة يفرغ هذه الصلاحيات من مضمونها وينفي عن هؤلاء أي استقلاليه مفترضة فى مبدأ اللامركزية، وتأكيداً على ذلك فأن القانون قد قرر – كما سلف بيانه – بأن هؤلاء رؤساء هذه الأجهزة مسئولين أمام رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص. ومن زاوية أخري فأن هذا الأمر يشكك فى جدوى وجود المجالس المحلية الشعبية المنتخبة والتى من المفترض أن يكون المحافظ وغيره من المسئولين الإداريين المحليين مسئولين أمام هذه المجالس. • هيئات مركزية للرقابة على الوحدات المحلية الإدارية والمجالس الشعبية المحلية فضلا عن قيام السلطة التنفيذية بالاحتفاظ بحق تعيين رؤساء الوحدات المحلية، حرصت الدولة على تشكيل هيئات ومجالس مركزية برئاسة السلطة التنفيذية تتحكم من خلالها فى الوحدات الإدارية المحلية، فالقانون رقم 124 لسنة 1960 قد نص على اختصاص "اللجنة المركزية للإدارة المحلية" برسم سياسات الوحدات الإدارية ، أما القانون رقم 52 لسنة 1975 والذى صدر فى عهد السادات فقد نص على تشكيل لجنة وزارية للحكم المحلي برئاسة مجلس الوزراء ، وهي اللجنة التى تحولت إلى لجنة المحافظين فى القانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 قبل أن تصبح بموجب التعديل الأخير هذه الهيئة تحت مسمي "مجلس أعلى للإدارة المحلية" والمتتبع لهذه الهيئات يجد أنها جميعاً تخضع لرئاسة مباشرة من السلطة التنفيذية ممثلة فى رئيس مجلس الوزراء والوزير المختص بالإدارة المحلية، الأمر الثاني المشترك ما بين هذه الهيئات أنها تقوم بدور توجيهي للوحدات الإدارية ورؤسائها وتم أضافة رؤساء المجالس الشعبية المحلية المنتخبة أيضا. وهو الأمر الذى يتضح منه أن هذه الهيئات ورغم أنها تبدو للتنسيق والعمل المشترك ما بين المحافظات والوحدات الإدارية المختلفة إلا أنها وجه أخر من أوجه تأكيد سيطرة الدولة المركزية على هذه الأجهزة المحلية وإخضاعها للسلطة المركزية. • الإشراف المباشر على الوحدات الإدارية حرصت الدولة المصرية فى تشريعاتها المتعاقبة على التأكيد على سلطة الحكومة فى الإشراف والرقابة المباشرة على أجهزة الإدارة المحلية، فالقانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 خصص فى الباب السابع منه فصلاً كاملاً وهو الفصل الرابع لهذا الأمر والمسمي ب " الأشراف والرقابة على وحدات الإدارة المحلية"، وهو فى ذلك لم يأتي بجديد فعلى سبيل المثال القانون رقم 124 لسنة 1960 بشأن الإدارة المحلية والصادر فى عهد الرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر" خصص فصلاً فى الباب الخامس منه بعنوان " فى الإشراف على أعمال المجالس". وهذه السياسة تتفق مع فلسفة الدولة المصرية فى أحكام سيطرتها على الأجهزة المحلية، فالحكومة هي التى تعين رؤساء الوحدات المحلية ومن ثم فهي من تقوم بالإشراف على إعمالهم والرقابة. والخلاصة أنه على الرغم من أن القانون قد نص فى أكثر من موضع على نقل سلطات الحكومة التنفيذية للأجهزة المحلية وهو ما قد يبدو إلتزماًبتطبيق مبدأ اللامركزية، إلا أن الدولة فى نفس الوقت قد استخدمت من الوسائل التى تتيح لها التحكم – بشكل مركزي – على هذه الأجهزة وربطها بالحكومة المركزية بعلاقة التابع للمتبوع أو بعبارة أخري فأن الوسائل التى استخدمتها الدولة لتنظيم علاقتها بالأجهزة المحلية جعلت من هذه العلاقة علاقة رئاسية، وهو الأمر الذى يفرغ مضمون مبدأ اللامركزية من محتواه ويجعل هذه الأجهزة سكرتارية للحكومة المركزية تنفذ توجهاتها وأوامرها. ثالثاً: اختصاصات وصلاحيات أجهزة الإدارة المحلية وحقوق وأعضاء المجالس المحلية المنتخبين تنصب اختصاصات وصلاحيات أجهزة الإدارة المحلية على المرافق المحلية الداخلة فى النطاق الجغرافي للوحدة المحلية إلا أنه يجب التفرقة بداية وقبل الحديث عن الاختصاصات والصلاحيات لأجهزة الإدارة المحلية ما بين المجالس الشعبية المحلية المنتخبة وبين الوحدات الإدارية أو المجالس التنفيذية، وذلك لأن الاختصاصات والصلاحيات تختلف بإختلاف المجلس أو الوحدة فالأخيرة اختصاصها العام هو إنشاء وإدارة المرافق المحلية بينما يكون اختصاص المجالس المحلية الشعبية هو الرقابة والإشراف على المرافق المحلية الداخلة فى النطاق الجغرافي للمجلس الشعبي المحلي. كما يجدر الآشارة هنا إلى أن المشرع المصري كان يأخد بنظام المجلس الواحد بشقية التنفيذي والشعبي، فكانت المجالس المحلية تضم فى عضويتها الإدارة التنفيذية المحلية والتى تضم عادة رئيس الوحدة المحلية الإدارية سواء أكان محافظاً أو رئيساً لمدينة أو رئيساً لمركز وممثلين للوزرات المختلفة وكذلك تضم الأعضاء المنتخبين الممثلين لسكان الوحدة المحلية ، وبإقرار القانون رقم 52 لسنة 1975 تم فصل المجالس المحلية المنتخبة عن الوحدات الإدارية والأخيرة أصبح يمثلها رئيس الوحدة المحلية وبإقرار القانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 أصبح هناك مجلسين الأول تنفيذي ويرأسه رئيس الوحدة الإدارية المحلية ويضم ممثلين عن المصالح والأجهزة والهيئات العامة والمجلس الثاني وهو المجلس المنتخب ويسمي المجلس الشعبي المحلي ويضم الأعضاء المنتخبين فقط، وهو الشكل الأخير لأجهزة المجالس المحلية والذى أتبعه المشرع الدستوري فى التعديلات الدستورية الأخيرة والسابق الآشارة إليها. وبشكل عام فأن المتتبع لتطور اختصاصات وصلاحيات أجهزة الإدارة المحلية فى السياسة التشريعية المصرية يلاحظ أمرين أولهما هو أن تطور الاختصاصات والصلاحيات أرتبط بشكل وثيق بتطور وتعقيد دولاب العمل الحكومي ومسئوليتها عبر الحقب المختلفة ففي حين كانت اختصاصات مجالس المديريات فى العهد الملكي وفقا للقانون رقم 24 لسنة 1934 بشأن وضع نظام لمجالس المديريات قد وضع ثمانية مجالات تختص بها تلك المجالس وهي مجالات (الصحة ، التعليم ، الزراعة ، الرى ، المواصلات ، أملاك الحكومة ، الشؤون الإدارية ، الشؤون المالية) ، وتطورت تلك المجالات لتصبح وفقا للقانون الحالي ثلاثة وعشرون مجالاً الأمر الثاني الملاحظ للمتتبع لتطور هذه الاختصاصاتوالصلاحيات أنها تتفاوت بتفاوت الحقب التاريخية والسياسية من حيث وجود صلاحيات واختصاصات حقيقة للإدارة المحلية من عدمه، وسنقوم بطرح مثال عن صلاحيات الإدارة المحلية فى مجال الأمن العام بين العهد الملكي والوقت الحالي للمقارنة والتوضحي. مجالس المديريات فى العهد الملكي كانت هي من تقرر عدد الخفراء اللازمين لحراسة كل مدينة أو قرية فى الميدرية وتبين درجاتهم وذلك كله بمصادقة وزير الداخلية، ولا يقتصر صلاحية مجالس المديريات على أعداد الخفراء وأنما يقرر أجور هؤلاء الخفراء بمراعاة الأجور الجارية فى أنحاء المديرية، ويجوز فقط لوزير الداخلية أن يزيد عدد الخفراء إذا رأي أن حالة الأمن العام تستدعى تلك الزيادة بعد أخذ رأي مجلس المديرية. بينما جاء القانون الحالي 43 لسنة 1979ليحصر اختصاصات وصلاحيات أجهزة الإدارة المحلية فقط فى مسئولية المحافظ عن الأمن وأنه يقوم بالتنسيق مع مدير الأمن وتلقي التقارير والخطط منه، وكذلك قيام المحافظة بتقديم المقترحات لوزارة الداخلية ، كما أعطت اللائحة التنفيذية للقانون الحالي للمحافظة إنشاء وتجهيز بعض الأجهزة التابعة لوزارة الداخلية وهي الدفاع المدنى والمرور والمطافي والمرافق والإشراف عليها بشرط أن يكون من خلال مدير الأمن، وأخيراً أعطت اللائحة للمحافظة اختصاص الإشراف على حسن أداء السجل المدنى . مقارنة أخري بين الإدارة المحلية فى العهد الملكي والوقت الحالي فيما يتعلق بصلاحية أجهزة الإدارة المحلية فوفقا لقانون نظام مجالس المديريات الصادر عام 1934 فأن موافقة مجلس المديرية مقدماً واجبة فى عدد من الأمور منها إصدار المدير لائحة محلية أو تعديلها أو إلغائها ، وكذلك موافقته ضرورة تطبيق قرار أو لائحة على المدينة أو القرية ، وبالنظر للقانون الحالي لا نجد نص مماثل. جاء الدستور الحالي والمعدل فى يناير 2014 باختصاصات أكثر تحديداً للمجالس الشعبية المحلية بأن جعل الأخيرة تختص بثلاث اختصاصات أساسية ،الاختصاص الأول هو متابعة تنفيذ خطة التنمية والاختصاص الثاني هو مراقبة أوجه النشاط المختلفة والاختصاص الثالث هو ممارسة أدوات الرقابة على الأجهزة التنفيذية المحلية سواء بتقديم الاقتراحات أو توجيه الأسئلة أو طلبات الإحاطة والاستجوابات وغيرها ، كذلك حق المجالس الشعبية المحلية فى سحب الثقة من رؤساء الوحدات المحلية. ،بينما أكد على اختصاصات الوحدات الإدارية فى المادة 176 والمتمثلة فى إنشاء وإدارة المرافق المحلية . وأجمالاً فأننا يمكن القول بأن صلاحيات الأعضاء والمجالس المحلية قد شهدت تراجعاً كبيراً فى عهد الرئيس الأسبق "جمال عبد الناصر" ثم شهدت انفراجه وتحسناً ملحوظاً فى سلفه " أنور السادات" قبل أن تتعرض لانتكاسة فى عهد الرئيس الأسبق "حسني مبارك" وبإقرار التعديلات الدستورية الأخيرة نلاحظ تحسناً كبيراً فى هذا المضمار، وذلك كله على النحو الذى سلف بيانه. رابعاً: علاقة المجالس الشعبية المحلية بعضها البعض اعتمدت الفلسفة التشريعية المصرية فى البداية بخصوص مسألة علاقة المجالس المنتخبة فى البداية على استقلاليه كل مجلس عن الأخر، وهو ما يفسر وجود قوانين مختلفة لمجالس المديريات عن المجالس البلدية فالأولي كان ينظمها القانون رقم 24 لسنة 1934 بينما الثانية نظمها – على سبيل المثال – القانون رقم 145 لسنة 1944، ولم تقتصر الاستقلالية على قدرة كل مجلس من هذه المجالس على ممارسة اختصاصاته أو صلاحيته مباشرة دون وصاية أو رقابة من مجلس محلي أخر، وإنما شملت الاستقلالية ضمانات لعدم تجاوز أو تعدى مجالس المديريات على المجالس البلدية أو القروية، وذلك فى الاختصاصات التى قد تكون متداخلة ،فعلى سبيل المثال أعطي قانون مجالس المديريات سالف الذكر الحق لمجالس المديريات فى تقرير أعداد الخفراء اللازمين لحراسة كل مدينة أو قرية فى المديرية عدا المدن والقرى التى لها مجالس بلدية . استمر هذا الوضع حتى صدور القانون رقم 124 لسنة 1960 والذى أعتمد فلسلفه مختلفة للمجالس المحلية تعتمد على التراتبية والتنظيم الهرمي حيث تقع مجالس المحافظات فى قمة الهرم أو الترتيب، وأعطي للمجالس المحلية للمحافظات سلطة الرقابة والإشراف على المجالس الأدنى، واعتمدت هذه السياسة التشريعية فى باقي القوانين التى تعاقبت على تنظيم الدولة لمسألة الإدارة المحلية، وهو ما يتضح كذلك فى أن المشرع المصري قد جمع مسألة تنظيم الإدارة المحلية فى قانون واحد على عكس ما كان سائداً من قبل من إصدار قوانين منفصلة لمجالس المديريات وللمجالس البلدية. فالقانون الحالي رقم 43 لسنة 1979 أعطي للمجالس الشعبية للمحافظات سلطة الإشراف على باقي المجالس المحلية الأخري، واختصها بتشكيل لجنة للقيم، ويكون من صلاحياتها وفقا للقانون أن تقترح إتخاذ إجراءات ضد أعضاء المجالس المحلية الشعبية الأدني، بموجب قواعد وضوابط يضعها مجلس المحافظين . كما يتضح التراتبية فى نظام المحليات والدور الإشرافي للمجالس الشعبية الأعلى على نظيرتها الأدني ( المحافظات / المراكز / المدن / الأحياء / القري ) من النص الوارد بالقانون رقم 43 لسنة 1979 من إنتهاء مدة المجالس الشعبية المحلية الخاضعة لإشراف ورقابة مجالس شعبية محلية أخري بإنقضاء المدة القانونية لهذه المجالس .
http://مفهوم نظام المحليات فى مصر وفلسفة آليات عمله أحمد راغب – محام تشتهر الدولة المصرية بأنها دولة شديدة المركزية رغم ذلك...
إقرأ المزيدبصدور القانون رقم 149 لسنة 2019 نكون أمام التدخل التشريعي السابع – على الأقل – من قبل الدولة المصرية لتنظيم العمل...
إقرأ المزيدأعلنت منظمة الصحة العالمية في 11 مارس الجاري 2020 أن فيروس كورونا (COVID-19) أصبح جائحة بما يعني أنه تحول إلى وباء عالمي، ومن...
إقرأ المزيد01011908976 & 0228430315
8642 – شارع المشير أحمد إسماعيل متفرع من شارع 9 – أمام مسجد الايمان والتقوي – المقطم (5.87 mi) Cairo, Egypt
ragheblegal@gmail.com
0 تعليقات